منفذ الإنسانية





جميل هو الشعور الإنساني الذي يأخدك عند أناس لا يجمعك بهم دم ولا عائلة لكنها الوطنية والإنسانية ,هكذا هو إحساسي حين أمسك بيد مسن و أحادث سنينه الماضية على عقب أحداث متدرجة متسلسلة ،هاهي أم تحاكي الواقع المر و تتذكر الأمس المفرح و الحزين في آن واحد ... لم تلده من بطنها لكنها ربته تربية حسنة ووفرت له ظروف العيش و الدراسة في الخارج,أنفقت عليه عرقها الحر ليعيش حرا أبيا, ليعيش إنسانا راقيا ,و أول ما فتحت أمامه الأبواب لم يلتفت إليها نسي سهرها و دمعها ...نسي حنانها و مضى مستقبلا لحياة الرفاهية تاركها في مركز لإستقبال المسنين.
و آخر متمسك بسجادته غير آنف بالدنيا غير سائل لما هو حاصل حوله,إذ زاره مرض "الزهايمر" ليغلق عينيه عن الحياة,هو لا يعرف إن كان حيا أو ميتا,لا يتذكر إن كان قد تناول وجبة الغذاء أو العشاء لكنه دائما على يقضة تامة من صلاته فهو في كل مرة يكررها كما لو أنه لم يصل أبدا.
إحساس غريب يراودني و أنا أحادث من هم في مثل سني أو أصغر قليلا ,ملامحهم تشبهني و يملكون شبه ملابسي و أكلي ,لكنها الظروف المعيشية الواقعية تختلف,إذ هم يعيشون الحاضر دون الماضي,لا يعرفون لهم عائلة سوى أصدقاء يكنون لهم كل مشاعر الود و الإخاء والمحبة ,يعيشون كأسرة واحدة كبيرة ,داخل جدران الأمل في مركز لإستقبال الأطفال في وضعية صعبة.
إنها الحياة ,مرة تأخدك في عنان فرحتها العارمة لتحس بنشوتها و أمان أيامها,ومرة أخرى تدير لك ظهرها لتتركك وحيدا راسمة خيوط السواد أمام عيونك المترقبة ,سالبة منك الحياة إلا من بعض الأيادي البيضاء الممتدة بالأمل ,الطامحة لتغيير ولو جزء بسيط من الواقع.
مثل أولئك الشباب التي قابلت يومها في مركز الأمل للأعمال الإجتماعية لا أتذكر أسمائهم لكن واقعهم مازال حي أمام عيني,أكبرهم شابة لها من العمر واحد و عشرين سنة احلامها ملائكية تتجسد في الأخد بالأيادي المعوزة و إيصالها لبر الأمان,تستثمر مساعدات المحسنين لتقيم بها مساعدة العجزة والأيتام,واصغرهم طفلة عمرها أربعة عشر سنة لكن طموحها الإنساني يفوق الجبال الشاهقة في علوها ,توزع الإبتسامة لإقرارها أنها صدقة ,لأنها مؤمنة أننا بأبسط الأشياء يمكن أن تكون فارقا مجتمعيا كبير.

فعلا ما أحوج واقعنا لأمثال هؤلاء ,شباب يعيشون الأيام بأمل يوزعون الحب بلا قياس,يساعدون الناس بما يمتلكون من ضمير حي.

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات: