ربما أطالب بدفني في مكتبة
أينما كنت تصِلك نسِيم صلاتِهم المرصوصة على الورق ,وتأدِية فروض الكِتابة المُشَكلة بِعِبارات رنانة بِصدى فيلسوفي عميق, وكأن اليوم بالنسبة لهم عِبارة عن ثمانِية وأربعون ساعة لا تنتهي على خلافنا ,لا تجدهم إلا في رحاب المحافل والمؤتمرات المهمة, لا يدنسون أرجلهم في الأماكن العابِرة ,هم أشخاص يقدسون الهوية والشخصية والأسلوب بل حتى الحبر والورق.
أتكلم هنا عن "الكُتاب" بضم الكاف والتشديد على حرف التاء بالفتحة, عن مخالج رآهم القاتلة ,عن سيوف كلماتهم المصوبة نحو هدف رسائلهم باختلافاتها المنهجية والإديولوجية بل حتى الفلسفية أحيانا ,عن أناس يجعلون يومهم وليلهم تدوينا وكأنهم أبطال في حرب ضد الوقت بل وكأنهم لا يودوا ملاحقة الموت إلا بكتب عظيمة, لا يأبهون بالعالم المرئي سوى بما تكرسه أناملهم ,وكأنهم شموع تذوب لكي لا يظل للجاهل كذبة يبرر بها للناس جهله.
بي رغبة عميقة وملحة بالتجول داخل عقل أروقة كل كاتب ضحى من العمر الكثير في سبيل أن تحيى الكلمة ويضمحل الجهل مقابل نور المعرفة, لا مجال لذكر أسمائهم هاهنا لأنهم على مر التاريخ عبروا وحين رقد جثمانهم الثرى ظلت كلماتهم بالحياة تنعم ,لكم لي رغبة بحوار طويل لا ينتهي مع أحدهم من الباقين على وجه هاته البسيطة ,لربما أحيى على غرار منهاجهم, وأحصل على وقت إضافي ليومي الفارغ كأغلب شباب هذا الجيل الهرم منذ الصغر, وأطالب يوما ما بدفني في مكتبة.
سعيدة مليح



0 التعليقات